عن المناصب والسلطة والعزل السياسي

هناك من يحرصون على بقائنا أمة متخلفة عن ركب حضارة مطلع هذه الألفية . لذلك أصبحت أجيالنا تتصارع على السلطة كما تتصارع الوحوش على الفريسة , لا لشيء إلاّ لجهل ما تعنيه كلمة دولة وإدارة الشؤون العامة للمجتمع , لذلك أود أن أدوّن هذه القصة القصيرة التي رواها لي كنكتة ربّان ناقلة نفط هندي عندما كنت أعمل مرشدًا لناقلات النفط في ميناء الزاوية سنة 1989 .
الصراع على السلطة في مملكة البدن..
قامت ثورة في مملكة البدن ذات يومٍ وعمت الفوضى . أصبحت كل جهة تدعي بحقها في الحكم . في البداية طلبت الأست السلطة , لكن جميع الجهات سخرت منها وإستهترت بها ورفض الجميع إعطائها السلطة . فقالت الأرجل نحن نحملكم في حركتكم على وجه الأرض لكسب الرزق فنحن أولى بالحكم . ولكن ورغم الألحاح رفضت بقية الجهات إعطاء الحكم للأرجل . ثم نطقت الأيادي وقالت إننا نحن من يتناول كل شيء ما حسُن منه وما ساء , ونحن الذين ندافع عنكم عند الشدائد نحن حماتكم ومن حقنا الحكم , لكن بقية الجهات قالت مجتمعة : لا لن نعطيكم الحكم لأننا نحن من يشدكم إلينا و أنتم مجرد جهة تنفيذية فقط . قال بعدها القلب إنني أروي كل جهة منكم لكي لا تضمر وتتعفن فأنا الذي أبعث فيكم الحياة مع كل نبض , أنا الذي الأحق بالحكم . ردت عليه بقية الجهات بقولها إنك لا تزيد عن كونك مضخة في نافورة , لن نعطيك الحكم .
إرتفع بعده صوت الرئتين بالقول نحن الذين نعمل على الدوام ولا نتوقف لكي لا تفقدوا الأوكسجين لتنقية دمكم , أنتم تنامون ونحن لا ننام بل نعمل طوال الحياة وحتى أثناء المرض , نحن أجدر بالحكم من غيرنا . لكن جميع الجهات الأخرى قالت : أنتما في شغل مستمر وليس لديكما وقت للأدارة ولا تصلحان للحكم .
ثم جاء الدور على الكلى التي قالت : ألسنا نحن من يحميكم من التسمم ! وطلبتا الحكم , لكن بقية الجهات رفضت طلب الكلى بقولها : إنكما لا تزيدان عن دوركما في التصفية والتطهير . وصاح الكبد قائلاً أنسيتم دوري ! ألست أنا من ينعش الدماء ويضمد الجراح , إن الحكم من حقي أنا . لكن بقية الجهات ردت بالقول لا لن نعطيك الحكم فأنت لا تصلح له .
وهكذا رُفضت السلطة لجميع الأعضاء وفي لحظة الحيرة وصمت الجميع , رفعت المعدة صوتها للعقل قائلة : إنتهيت من عملي وأريد الخلاص من المواد المستهلكة . فشرع العقل بسئوال كل الذين طلبوا السلطة قائلاً للأرجل , والأيادي , والقلب , والرئتين , والكلى والكبد : من منكم يريد السلطة فليسحب المواد المستهلكة من المعدة . رد كل منهم بأن القضية ليس من إختصاصه لأنه لم تُمنح له السلطة .
وعاودت المعدة قائلة بحدة : إمّا أن يتولى أحد منكم السلطة أو سيحدث إنفجار تذهبون كلكم ضحايا له . أحس الجميع بالخطر ولمّا لم يكن بوسع أحد منهم أن يفعل شيئًا , قرروا التراجع عن رفضهم السابق للأست قائلين ما دمنا عاجزين عن تلافي هذه المحنة ليس أمامنا غير منح السلطة للأست .
رمضان الجبو ـ فرنسا ـ 5 مايو 2013 .